21 - 06 - 2024

نجوم الإنشاد الديني | الشيخ البهتيمي وخشوع العمامة الحمراء

نجوم الإنشاد الديني | الشيخ البهتيمي وخشوع العمامة الحمراء

فؤادي غدا من شدة الوجد في ظمأ

إلى نحو من فوق السماوات قد سما

تعود تجليات الإنشاد الديني في مصر إلى بداية القرن الـ 20؛ وتتجلى روعة الإنشاد الديني الذي يبدأ بمحبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة آل بيته الأطهار، في كونه محببا للعديد من طبقات المجتمع، وتنشط ليالي إنشاد قصائد المديح النبوي في ليالي رمضان المبارك، حيث تتوالى مشاركة كبار المنشدين بإحياء الليالي الرمضانية التي تعد السهرة الروحية المفضلة لدى المصريين في هذا الشهر الكريم عقب آذان المغرب وقبل حلول موعد صلاة فجر يوم رمضاني جديد..

اسمه في شهادة الميلاد: محمد ذكي يوسف البهتيمي الشهير بكامل البهتيمي، من مواليد حي بهتيم بشبرا الخيمة محافظة القليوبيةعام 1922م، كان والده من حفظة كتاب الله الكريم، وأراد لابنه كامل أن يحذو حذوه؛ فألحقه بكتاب القرية وقت أن كان عمره لا يزال 6 سنوات فقط، وبالفعل أبدى الابن نبوغا مبكرا وأتم حفظ القرآن قبل بلوغ10سنوات من عمره فكان يذهب إلى مسجد القرية بعزبة إبراهيم بك المتاخمة لقريته سيرا على الأقدام ليقرأ القرآن على المصلين قبل صلاة العصر دون أن يأذن له أحد بذلك، كان ذلك مبعثه ثقته بنفسه التي باتت واضحة في هذا السن المبكر، حيث أن ترتيل القرآن الكريم أو تجويده أو آداء التواشيح والابتهالات على حشد من الجمهور، يحتاج ثقة كبيرة حيث أن الجمهور من بينهم بالطبع من يحفظ القرآن بقراءاته المختلفة؛ فإن أخطأ الشيخ الصغير يكون من السهل اكتشاف الخطأ، ليس هذا فقط علامة الشجاعة الوحيدة لدى شيخ بهتيم الصغير؛ بل إنه كان يطلب من مؤذن المسجد أن يسمح له برفع الآذان بدلا منه، ليكتشف المصلين أنهم أمام قارئ موهوب يملك صوتا عريضا له حلاوة في الآذان، يخترق القلوب كشهاب مضئ، خاشع، تقي، ورع.

ثمة حادث وقع أثر على نفسية ذلك الموهوب الصغير، كان ينتظر الصبي كامل البهتيمي، عندما رفض مؤذن المسجد ترك المأذنة ومكبر الصوت له، لم ييأس الشيخ الصبي ولم يفقد الثقة بالنفس؛ بل ظل ذلك الطفل الموهوب: محمد ذكي يوسف الشهير بكامل البهتيمي على عهده يقرأ القرآن بالمسجد بصوت مرتفع وبمقامات صحيحة؛ ليستمر في جذب انتباه المصلين إلى أنه ليس طفلا؛ بل هو قارئ ينافس مشاهير القراء، لا تنقصه حلاوة الصوت ولا أسس القراءة بقواعدها السليمة، حتى تنامى وتزايد محبوه وعشاق تلاوته وفي كل يوم يجذب انتباه مصلين جدد يلتفون حوله بعد أن يفرغوا من صلاة العصر، يستمعون إليه وهو يجود آيات الذكر الحكيم بصوت كأنه بمدد من السماء ينافس مشاهير القراء، زاد الإعجاب وكثر جمهوره، بعضهم تتبعه إلى حيث بيته وأسرته، يسألون عنه ويرجون أسرته أن يشملوه بمزيد من الرعاية، يوما بعد يوم كان يزداد عدد معجبيه، ولم يحدث أن نال شهرته أحد من قبله في هذا السن المبكر؛ وأمام ضغط هائل من جمهوره، سمح له مؤذن المسجد برفع الآذان بدلا منه تشجيعا له، وتنبأوا بأنه سيأخذ مكانه يوما قريبا، انطلق الشيخ الصغير سنا، الكبير في عيون القرية، رفع الآذن؛ فخشع الحاضرون لخشوعه، بدأت الدائرة تتسع بجمهوره في حلقة تلاوته للقرآن الكريم وأصبحت من المواعيد التي يتفرغ لها أبناء القرية بعد انتهاء أعمالهم، حتى أصبحت القرية الصغيرة مزارا ومعلما دينيا يضم بين جنباته قارئا موهوبا فريدا في صوته وفي خشوعه، حتى أنه كان يبكي المصلين من فرط الصدق في التلاوة والضغط على حروف الآيات بمقدرة الدارس للمقامات وكأنه يفسر الآية ويشرحها مع التلاوة، ذاع صيت الصبي كامل البهتيمي وانتشر في ربوع القرى المجاورة وأخذ الناس يدعونه لإحياءالمناسبات الدينية؛ كان والده فخورا به؛ فهذا هو الطريق الذي رسمه له وأراد الله أن يوفقه فيه، كان يرافقه لسنوات عديدة وينظم له مواعيد حفلاته، يطوف معه القرى والنجوع، يطرب لسماع آهات المستمعين لابنه الشيخ صاحب العمامة الحمراء، ولكن إشفاقا من الإبن البار طلب من والده أن يخلد إلى الراحة واستعان برجل من أبناء نفس قريته ليساعده في مهمة السفر وشد الرحال، ليستقل عن أبيه بعد أن أصبح قارئا معروفا واعترافا بموهبته تم تعيينه قارئا لقرآن يوم الجمعة بمسجدالقرية، كان أهل القرية بشبابها وعجائزها وأطفالها يفترشون حصير المسجد منذ الصباح المبكر حتى يجدوا مكانا لهم قبل تدفق أهالي قرى القليوبية وبعض أهالي القاهرة ومحافظات الدلتا وكأن قرآن الجمعة بصوت الشيخ الصغير وحد أهالي المحافظات المتلاصقة وكانوا يهللون ويكبرون وكأنها تكبيرات العيدين في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، زحام غير مسبوق، كل ذلك وكامل البهتيمي لا يزال صبيا يافعا حاول الأهالي أن يجمعوا من بعضهم البعض قروشا قليلة يدسونها في جيب جلباب الشيخ امتنانا منهم له، وفي كل مرة يرفض الشيخ البهتيمي أن يتقاضى أجرا من أبناء القرى في مسجد بهتيم الكبير الذي زاد واتسع، وظل على رفضه تقاضي أجر من أبناء قريته طوال حياته حتى بعد أن أصبح قارئا معتمدا واتسعت رقعة شهرته في التلاوة والإنشاد لتشمل معظم بلدان العالم؛ فأصبح الشيخ كامل البهتيمي قارئا ومنشدا له مدرسة خاصة به وأسلوب عرف به في آداء التواشيح والإنشاد الديني والمديح، بعد أن انضم الشيخ البهتيمي قارئا ومنشدا معتمدا بالاذاعةعام 1953م، وعين قارئا بمسجد عمر مكرم بوسط القاهرة،حتى توفي وهو يؤدي الصلاة في يوم السادس من فبراير عام 1969م.

فؤادي غدا من شدة الوجد في ظمأ

إلى نحو من فوق السماوات قد سما

ولولاه ما أشتقت لحطيم وزمزما

شغفت وقلبي مات في الحب مغرما
-------------------------
استمع إليهم: طاهــر البهـي






اعلان